المحلي

حين تلدغ العقارب أجساد الأطفال.. ونصمت جميعا

بين واجب الإعلام وحق الرد: ما حدث في تسابيت ليس تشهيرًا، بل إنذار صحيا وانسانيا

في صباح يوم الجمعة 4 جويلية 2025، تعرض طفل يبلغ من العمر 8 سنوات في قصر “عريان رأس” ببلدية تسابيت للسعة عقرب كادت أن تودي بحياته، وهي ليست أول حادثة من هذا النوع، ولن تكون الأخيرة في ظل استمرار هشاشة المنظومة الصحية في المناطق النائية بولاية أدرار.
وبمجرد انتشار الخبر على منصات التواصل الاجتماعي من قبل أحد الإعلاميين المحليين – وهو بالمناسبة والد الطفل المصاب – انتشرت ردود أفعال متباينة، بين متضامنين ومشككين، مما دفع المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بأدرار إلى إصدار بيان رسمي لتوضيح حيثيات الحادثة وتفنيد ما وصفته بـ”المغالطات” التي تمس بجهود الطاقم الطبي والشبه الطبي العاملين في عيادة تسابيت.
ومن منطلق المسؤولية الإعلامية، وحق الرد المكفول قانونًا وأخلاقيًا، نود التوضيح بأن نشر الخبر لم يكن من باب التجريح أو الإساءة، بل كان صرخة حقيقية تنقل هاجسًا مشتركًا لدى سكان المناطق النائية، حيث يبقى التهديد الصحي قائمًا في كل بيت، في ظل غياب مناوبات فعلية أحيانًا، أو صعوبة الوصول إلى العلاج في الوقت المناسب.
كما أن ما ضاعف حساسية الموقف هو أن المصاب هذه المرة كان ابن صحفي محلي معروف، يعي جيدًا معايير النشر والتحقق، ولكنه أيضًا أب، ومواطن، وشاهد على ما يجري في الميدان. والهدف من دق ناقوس الخطر في هذا التوقيت بالذات، لم يكن الطعن في مجهودات الأطباء والممرضين، الذين نكنّ لهم كل التقدير، بل مطالبة حقيقية بتحسين آليات التكفل، وتوفير الإمكانيات، ومراجعة تنظيم المناوبات خاصة في الصيف، حيث تزداد حالات التسمم العقربي بشكل كبير.
ففي مناطق كـ”تسابيت”، و”أولف”، و”تينركوك”، وغيرها من قرى الجنوب، لا مجال للمجاملات عندما يكون الحديث عن حياة طفل، أو سرعة تدخل طبي، أو وجود مصل، أو من يتولى فتح باب العيادة في الوقت المناسب. وقد أظهرت الوقائع أن التعامل مع الحالات الاستعجالية يظل هشًا، مهما اجتهد الأفراد، إن لم تُواكبه تغطية تنظيمية وتمويلية كافية.
الرد الصادر عن المؤسسة الصحية مشكور من حيث الشكل، لكن وجب التذكير أن وسائل الإعلام ليست خصمًا، بل شريكًا في نقل نبض المواطن، والضغط من أجل التحسين لا التهويل. كما أن التحسس من النقد وإن كان قاسيًا أحيانًا – لا يجب أن يعمينا عن لب القضية: نحتاج إلى تحسين المنظومة الصحية، لا إلى إخفاء علّاتها.
ولأن الحادثة انتهت بحمد الله بسلام، بعد تقديم الإسعافات الأولية للطفل، فإن ذلك لا يجب أن يُنسينا أن غيره قد لا يُسعف في الوقت المناسب، وأن غياب الإمكانيات، أو التأخر في الإجراءات، قد يكون قاتلًا في لحظة.
ما نُشر ليس إلا جرس إنذار من صحفي عاش القصة بكل تفاصيلها، بصفته أبًا، وشاهدًا، وإعلاميًا. ولو أن الصوت خرج من شخص آخر، أو في منطقة أخرى، ربما لم يكن ليثير هذا التفاعل. لكن لعل في هذه الحادثة ما يُحرّك المياه الراكدة، ويُعجل بمراجعة منظومة المناوبة، وتوفير الأمصال، وتفعيل استراتيجيات استباقية لمواجهة لسعات العقارب وغيرها من الحالات الحرجة، خصوصًا في مناطق معزولة.
فالإعلام، حين ينقل الألم، لا يطلب أكثر من أن نُصغي إليه… لا أن نحاسبه على دق ناقوس الخط

بقلم: علي لكرومب تسابتي

زر الذهاب إلى الأعلى