أسس ثقافة الذوق…الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة

في ظل التحولات القيمية والثقافية المتسارعة التي يشهدها العالم المعاصر، نظّم عدد من الباحثين والمفكرين، يوم الأحد 29 جوان2025، بمكتبة كلية العلوم الاجتماعية الملتقى الوطني بعنوان: “أسس ثقافة الذوق: الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة”، الذي شهد نقاشات ثرية حول أحد أبرز التحديات الراهنة: تفشي “التفاهة” في مختلف مناحي الحياة.
ما هي التفاهة؟ المفهوم وتجلياته في المجتمعات المعاصرة
في مداخلته الافتتاحية، طرح أ.د بوعرفة عبد القادر إشكالية جوهرية تتعلق بتحديد مفهوم التفاهة وتجلياتها المعاصرة. حيث أشار إلى أن:
التفاهة ليست مجرد ظاهرة سطحية، بل تعبّر عن انحدار تدريجي في الوعي الجمعي تجاه منتجات الحضارة الحديثة.
التحليل الفلسفي للتفاهة يمكن أن يمنحها بعدًا مفاهيميًا دون الوقوع في فخ المساهمة في نشرها.
في كثير من الأحيان، “يصنع التافهون المشهد العام” لا عبر الكفاءة أو المعرفة أو القيمة الحقيقية، بل عبر آليات استعراضية وخطابية لا تستند إلى مضمون.
يرى أن نظام التفاهة أصبح مهيمنًا على البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما أدى إلى خلق منظومة قيمية جديدة تتعارض مع القيم الإنسانية الأصيلة.
كما أعاد د. بوعرفة أصل الكلمة إلى الجذر العربي “تفِهَ”، الذي يُشير إلى البساطة المفرطة والضآلة في القيمة، مؤكدًا أن هذه الخصائص أضحت تُرفع كرايات للنجاح في فضاءات الإعلام والترفيه والسياسة.
الحداثة والتفاهة: من الإنسان العادي إلى إنسان التميز
أما أ.د سرير أحمد بن موسى، فقد تناول العلاقة المعقدة بين الحداثة والتفاهة، عبر محور بعنوان “من الإنسان الوسط إلى إنسان التميز والاستحقاق”. وقد بيّن أن:
الحداثة جاءت برؤية جديدة للإنسان، تسعى للارتقاء به من موقع الإنسان العادي (المتوسط) إلى إنسان واعٍ يمتلك أدوات التميّز والاستحقاق.
لكن هذه الرؤية انحرفت تدريجيًا، حيث أفرزت ثقافة استهلاكية فردانية سمحت بازدهار التفاهة كمشروع مجتمعي مقبول بل ومطلوب.
التحدي القائم اليوم يكمن في استعادة مكانة الإنسان المثقف والمستنير، القادر على بناء الذوق العام وفق معايير عقلانية وجمالية، وليس عبر خوارزميات الشهرة الفارغة أو الترويج للسطحية.
التفاهة كمنظومة: خطر مهيكل على ثقافتنا
من خلال هذه المداخلات، برزت قناعة مشتركة بأن التفاهة لم تعد مجرد خيار شخصي أو نمط حياة فردي، بل أصبحت “نظامًا قائمًا بذاته”، يُكرّس آليات عمل محددة تعيد إنتاج الرداءة على حساب الجودة، وتروج للشخصيات الهامشية على حساب القامات الفكرية والثقافية.
وقد خلص المشاركون إلى ضرورة بلورة مشروع ثقافي إنساني مقاوم لهذا النظام، يعتمد على أدوات الفلسفة وعلوم الإنسان، من أجل بناء ثقافة الذوق الرفيع والنقد الواعي، وإعادة الاعتبار لقيم الجمال، العمق، والتميّز.
شهيناز ربيب